الأبيض Admin
عدد الرسائل : 139 الموقع : www.wait.yoo7.com تاريخ التسجيل : 01/08/2007
| موضوع: عالم الشعراء الثلاثاء أغسطس 14, 2007 2:45 pm | |
| ليس من شك في أنه العالم الأكثر تعقيداً وغرابة من أي عالم فكري أو إبداعي آخر .. حتى ذهب العرب يوماً إلى الاعتقاد بأن وراء الشعراء جنّاً أو شياطيناً يوسوسون لهم ويرمون الأفكار والمشاعر والصور على ألسنتهم .. وكأنهم في هذه الحالة وسطاء بين عالم
الغيب المسحور وعامة الناس .. إنهما التفكير والتفسير اللذان كانا سائدين يوم كان العلم والمنطق في المرحلة التمهيدية وان علم النفس التحليلي نطفة في طور التكوين .. أما الآن فالقضية تختلف والنظرة الغيبية باتت في ذمة التاريخ .. فالشعر أو أي فنّ آخر نشاط عقلي .. وجداني .. يعتمد على المجاز والتخييل في فهم الوجود والذات الانسانية أو في التأسيس الذهني لعوالم بديلة أو متصلة بعالمنا الراهن .. لكنَّ غرابة أطوار الشعراء ونزوعاتهم الحادة المتقلبة وصمتهم منذ البدء بهذه العلاقات الفارقة .. ووضعتهم خارج دائرة المألوف .. وأحاطتهم بالأجواء الضبابية الغرائبية المثيرة للتساؤلات .. والتكهنات .. والأحكام الشاذة ..
هاهم شعراء ما قبل الاسلام ( مع استنكاري الشديد لتسمية تلك الفترة بالعصر الجاهلي لأسباب يعيها الدارسون النزهاء ) يتوزعون أقواس الدائرة من الملك الضليل .. إلى الحكيم العاقل .. إلى الدبلوماسي البارع إلى الصعلوك المتمرد .. إلى الفارس العاشق ..
وها هم ما بعد الإسلام من لسان الدين الجديد إلى لسان ٍ عليه .. ومن الهجاء المقذع إلى المدّاح المحسن إلى الغزلّي الماجن .. إلى العذري المجنون .. حتى إذا بلغنا العصر العباسي الأول .. طالعنا الكبار الذين اخترقوا الأعراف الشعرية السائدة .. والإضافات الإبداعية المحدودة إلى التجليات الهامة والتحولات الجذرية ...فالطائي المثقف أبو تمام غاص فكراً وأشرق بديعاً .. وحين وضع حماسته الشهيرة لم يضع شعره معياراً لاختيار نماذجها .. بل نحّى إنتاجه ومال إلى الشعر السائغ المشرق , المتوهج بما يرضي عنه العامة والخاصة .. فأصاب مرتين فيما قال وفيما اختار .. ومع المتنبي وصلت فلسفة القوة والعظمة إلى أوجها .. ذلك أن الرجل مسكون بجرثومة القامات العالية ,, ومهووسٌ بالمصلحين الأخلاقيين وطلاع بالشعر إلى جاذبية الأسر الفردي .. الإعجازي .. وما الملوك من حلب إلى مصر مروراً بعظماء وأسياد كثر ¯ إلاّ صدى النفس العابقة بأجواء التفوق والجبروت .. وإذا كان من يعيب عليه المدائح المأجورة .. لشخصيات متفاوتة .. فذلك تخبط لانجاة لمبدع منه .. ولا عاصم للروح إلا الموت .. لكن ما بين هذا الدويّ المتردد .. هجعات إنسانية وجدانية لم يبلغها سواه .. فهزائم الروح بانكسار المثل الأعلى .. وهزائم بالجسد بالأمراض والأوجاع تحفر في الذات السحيقة ما يحوّل الأنسجة التالفة .. والدماء النازفة إلى غناء ملتاع .. وصرخات ضارعة .. وبوح جارح ...
ويعيش ابن الرومي العصر بشروطه الخاصة دقّة الإحساس .. الرهافة .. سرعة الانفعال .. التطيّر النفسي .. الجوع المفتوح على مصراعيه .. وهل يستطيع بعد هذه الاستعدادات الشخصية إلاّ أن يكون .. ساخراً لاذعاً وفناناً كاريكاتورياً بارعاً في تضخيم عيوب الناس .. وحتى عيوبه والعبث بها .. أنَّى له أن يرضى عن مجتمعه ومثالبه وهو الشاعر .. والإنسان المركوم بالفجائع .. والفرد المحتاج المحروم .. أهذا هو القدر المنصف .. والشرائع العادلة ..? ..
أهذه هي الحياة التي أرغمنا عليها ووجدنا أنفسنا بين قيودها .. ثم وعينا أننا ¯ في كثير من الأحيان ¯ عاجزون عن تغيير أمر بسيط فيها .. وحولنا أبواق الحريّة . وقدرة العقل .. تحوّل رؤوسنا إلى طبول . وعواطفنا إلى قرع متلاش ٍ . | |
|